الأربعاء، 16 نوفمبر 2022

ضرورة الانتقال من مرحلة القيم إلى مرحلة الإجراءات - قراءة في "الازمة الدستورية في الحضارة الإسلامية" د. الشنقيطي

 

قراءة في الفصل الأخير من كتاب "الازمة الدستورية في الحضارة الإسلامية" د. الشنقيطي

 

ضرورة الانتقال من مرحلة القيم إلى مرحلة الإجراءات

 

قراءة د. أيمن إبراهيم

د. محمد المختار الشنقيطي




الدكتور محمد المختار الشنقيطي أستاذ مادة "الأخلاق السياسية" في عدد من الجامعات, واشتهر عنه تحليله الناضج لسياسات الأمة التاريخية, وبراعته في الإسقاط على الحاضر, واستشرافه مالات المستقبل واحتياجاته في ضوء فهمه لواقع الأمة.

وقد تناول في الفصل السادس والأخير من كتابه الذي ابدع فيه "الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية" تناول الشرط الثاني لخروج الحضارة الإسلامية من أزمتها الدستورية، وهو: 

"الانتقال من القيم إلى الإجراءات"


ويعني الشنقيطي بذلك ترجمة القيم السياسية الإسلامية الرائعة التي أتى بها ديننا الحنيف إلى مؤسسات وإجراءات دستورية منسجمة مع منطق الدولة المعاصرة بمصطلحاتها وأدواتها.


وقدم الفصل معايير لإسلامية أنظمة الحكم المعاصرة في شكل جدول يترجم ثلاثين من القيم السياسية الإسلامية المنصوصة في القرآن والسنة إلى أحكام دستورية عملية في دولة معاصرة، مبيناً أن الحد الأدنى لإسلامية نظام الحكم يتضمن شرطيْ الشورية:


- بأن تكون الدولة ديمقراطية.

- والمرجعية: بأن تستند الدولة إلى النص الإسلامي أخلاقا وتشريعا.


مع ضرورة التمييز بين الالتزام الأخلاقي والإلزام القانوني، وأهمية الانتقال من ثقافة الإكراه والقهر والزجر إلى ثقافة الإقناع والتراضي.

 

د. محمد المختار الشنقيطي

ثم تحدث الشنقيطي عن الديناميكية الثقافية التي ظهرت في صدر الإسلام، وضرورة استلهامها في الزمن الحاضر، من خلال استثمار المحفِّز الغربي، خصوصا في مجال المؤسسات والإجراءات السياسية الذي هو مجال تراكميٌّ متحرك، ويحتاج المسلمون الاستمداد فيه من الأمم التي سبقتهم على درب التطور السياسي.

 

ويرى الشنقيطي أنه يمكن حل الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية عبر استمدادٍ واسع من الكسب النظري والعملي الذي توصلت إليه الأمم الغربية الديمقراطية، وهذا الاستمداد سيُثري ثقافة المسلمين إذا تعاملوا معه بتواضع المتعلِّم، وثقة الراشد، بعيداً عن عُقد الدونية أو الاستعلاء، وسينبِّههم هذا الاستمداد على إمكانات معطَّلة في دينهم ما كانوا لينتبهوا إليها دون ذلك.

وهناك تأكيد على ضرورة أن يَبْذُر المسلمون في تربتهم الثقافية الخاصة، وأن يتملَّكوا ما يستمدونه من حضارات وثقافات أخرى، فاستعارة الفكرة في ذاتها لا تكفي لجعلها زاداً صالحاً، بل يتعين تملُّك الفكرة، ونقْعُها في رحيق الثقافة المستعيرة، وإخضاعها لمنطقها الأخلاقي والعملي.

 

من الإمبراطورية القديمة إلى الدولة الحديثة


وأخيرا خلَص الفصل إلى ضرورة انتقال الثقافة الإسلامية من منطق الإمبراطورية القديمة إلى منطق الدولة العقارية المعاصرة. ويعني بأن أغلب الدول الإسلامية بعد عصر الخلافة الراشدة كانت إمبراطوريات أو شبه إمبراطوريات, ييتصف بما تتصف به الإمبراطوريات من افتئات على بعض الحقوق العامة, السياسية والمجتمعية.

بما يعنيه ذلك من مساواة بين المواطنين - مسلمين وغير مسلمين - في الحقوق والواجبات، فمِن التناقض الأخلاقي والمنطقي أن يدعوَ المسلم إلى دولة العدل والحرية، وهو يَحْرم مخالفيه في المعتقد -ممن تجمعهم به أرحام الدم واللسان والتاريخ والجغرافيا- من التمتع بثمارها في هذا المضمار، فذلك تطفيفٌ مناقض لمنطوق القرآن، وهو يضع المسلم في مفارقة أخلاقية لا تليق به ولا برسالته، لأنها تجعله ضحيةً للظلم ومسوِّغاً له في الوقت ذاته.

 

سبيل الخروج من الأزمة


إخراج الحضارة الإسلامية من أزمتها الدستورية سيفلح إذا اتسم بسِمتين:

 

* الاولى: 

أن يكون مُقنعاً للضمير المسلم المتعلق بالقيَم السياسية الإسلامية وبتجربة الإسلام السياسية الأولى، وهذا يستلزم أن لا يكون الحل حلاًّ عَلمانياًّ منبتاًّ عن وجدان الشعوب ومزاجها الديني والأخلاقي.

* الثانية: 

أن يكون مُنسجما مع منطق الدولة المعاصرة لا خارجاً عنها أو عليها، وهذا يستلزم أن لا يكون الحل حلاًّ سَلَفياًّ مستأسراً للذاكرة التاريخية المستمدَّة من الإمبراطوريات الإسلامية الغابرة.

 

ويرى الشنقيطي أن الخيار العلماني مستحيل إسلامياًّ، والخيار السلفي مستحيل إنسانياًّ، والحل هو المنهج الإسلامي التركيبي الذي يجمع بين الديني والمدني.

 

نهاية جمهورية روما



دعوة الى عدم جلد الذات:


ويدعونا الشنقيطي إلى عدم جلد ذواتنا فلسنا نحن فقط من مر بمرحلة الامبراطوريات بما فيها من افتئات على الحقوق والحريات العامة, فقد مر بهذه المرحلة كل دول العالم بلا استثناء. ويؤكد على ما يلي:


- لم يكن المسلمون بدْعاً في تراجع القيَم السياسية في تاريخهم أمام السياقات الإمبراطورية التي تسلب الحريات والحقوق.

- انحسرتْ القيم الديمقراطية في أثينا قبل الإسلام بقرون وليس بعد قدوم الإسلام.

- انحسرت في روما الجمهورية - أمام الروح الإمبراطورية.

- ظلت القيم الديمقراطية تنتظر وقتها حتى جاءت فرصة التحقق مع النهضة الأوربية الحديثة.

- تفتقت مع ثورات الربيع العربي فرصة عظيمة أمام القيم السياسية الإسلامية للانبعاث.


ويختم الشنقيطي الفصل الأخير بتصريحه المتأثر باندلاع ثورات الربيع العربي في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين, حيث يقول:


"ويبدو أن الربيع العربي بداية تحوُّل تاريخي عميق، سيقود إلى تجديد نضارة الحضارة الإسلامية، وتحريرها من أزمتها الدستورية، ومن رَهَقِ سيف الإمامة الذي أنهكها عبر القرون."

السبت، 5 نوفمبر 2022

الحكم العسكري وأصنافه, و إسقاطات على التاريخ المعاصر

الحكم العسكري وأصنافه, وإسقاطات على التاريخ المعاصر


بقلم: د أيمن إبراهيم

 يعرف الحكم العسكري بأنه وصول عسكريين من الجيش إلى سدة الحكم بوسائل غير دستورية, وغالباً باستخدام القوة المفرطة للجيش, حيث يعقبه تعطيل العمل بالدستور أو ببعض مواده, وفي بعض الاحيان يتم تعيين حكومة مؤقتة, وتنتهي عادة بانتخابات مسرحية لإضفاء الشرعية, وتخفيف الضغوط الدولية والإقليمية.


السؤال هنا , 

هل الحكم العسكري الذي تم تعريفه أعلاه هو نوع واحد؟ أم أن هناك عدة أنواع متباينة؟

وهل تختلف في طريقة الوصول للحكم؟ وكذا طريقة الإدارة وطريقة التداول أوالتوريث؟


الحقيقة أن المتخصصين في العلاقات المدنية العسكرية أجمعوا على أن هناك عدة أصناف للحكم العسكري تتميز كل واحدة منها بخصائصها وإن كانت كلها تندرج تحت مسمى الحكم العسكري مع تفاوت وقواسم.

تختلف أيدولوجيات وطريقة الحكم من دكتاتور لآخر

الجزء الأول: الحكم العسكري وأصنافه



أصناف الحكم العسكري:

1. حكم دكتاتور عسكري منفرد:

وفيه يصل جنرال من قادة الجيش إلى سدة الحكم, وقد يكون جاء بانقلاب قام به الجيش كاملا, أو جزء منه, وقد يكون مرشحاً من مجلس الجيش أو مرشحاً لرئيس سابق.


والفيصل هنا أنه بمجرد استتباب الحكم له يتنصل من الجيش الذي ينتمي إليه, وربما يلفق لبعضهم التهم أو يغتال بعض قيادات الجيش ليسهل له تهميشه والسيطرة عليه.


كما قد يتخلص من كل من ساعده من المدنيين على الوصول للحكم, ويقود البلاد بحكم فردي دكتاتوري يقوض فيه الدستور واستحقاقاته من شورى وبرلمان ويضرب فيه استقلال السلطات القضائية, ويكبل حرية الصحف وتشكيل الأحزاب, وعمل النقابات والطلاب وغيرها.


وداخليا غالباً ما يعتمد في استتباب حكمه على نموذج الدولة البوليسية, مستخدماً قوى الشرطة القمعية, أو فرقة محددة من الجيش تدين له بالولاء. 

أما خارجياً فيعتمد على روابطه الشخصية وولاءاته مع القوى العظمى التي تدعمه دولياً, وكذلك تدعمه داخلياً بوسائلها الناعمة المخترقة لهذه الدولة النامية.

رئيس تشيلي الدكتاتور الجنرال بينوشيه


2. حكم لجنة عسكرية:

وفيه تصل لجنة عسكرية أو فريق من عدة قيادات عسكرية وسيطة أو رئيسية, أو تنظيم سري داخل الجيش إلى سدة الحكم بطريقة غير دستورية, حيث تقسم الوزارات والمسئوليات على أفراد اللجنة التي تتحول إلى مجلس حكم أو مجلس قيادة مؤقت أو دائم للبلاد.


وفي الطور الأول من حكم اللجنة/المجلس يكون حكمها قوياً, ويتمتع أعضاء اللجنة بمكانة فوق القانون والدستور, ويرثون خيرات ومقدرات الحكام السابقين, ويتم فرز الجيش بناء على ولائه للجنة أو التنظيم الحاكم.


حتى إذا دبت الخلافات بين أفرادها, هنا يبدأ الطور الثاني, حيث تعمل المؤامرات على تقليص عدد أفراد اللجنة أو القضاء عليها تماماً ويقوم المنتصر منها بالتبرؤ من سياساتها القديمة.

وفي الطور الثاني, طور المنافسة داخل اللجنة, يصبح الحكم ضعيفاً ويحتاج أن يؤسس المتغلبون فصيلاً داخلياً بديلاً يدعمهم أمام منافسيهم أصدقاء الأمس. كما يحتاجون إلى دعم خارجي وضوء أخضر من القوى العظمى.


عيوب حكم اللجنة:

ويعيب حكم اللجنة أنه يكون عشوائياً بحيث يقترب من حكم العصابة, وقد لا يهتم بصورة الجيش الذهنية أمام الشعب أو مستقبله في عيون الشعب, وذلك لوجود أجندات خاصة لأعضاء اللجنة.

كما تقمع اللجنة الجيش والشعب معاً, خوفاً من هاجس "الانقلاب" عليها الذي أذاقته لسابقيها.

وقد يطول الطور الاول للجنة فتصبح الدولة لها عدة رؤوس تحكمها وتظهر ظاهرة "مراكز القوى", وتفسد إدارة البلاد وتهدر الطاقات, وغالباً ما يسبب ذلك انهياراً عاماً لمقدرات الدولة, وقد يسبب ذلك الهزائم المريرة من أعدائها.

ويعتبر مآل "حكم اللجنة" بنسبة كبيرة إلى النوع الأول "الحكم الدكتاتوري" بعد أن يقضي أحد أعضائها على زملائه وينفرد بالحكم.

مجلس قيادة ثورة 1952



3. حكم مؤسسة الجيش:

وفيه يقرر الجيش أو أغلب أعضاء إدارته العليا الاستيلاء على السلطة من المدنيين, بغير الوسائل الدستورية في تداول السلطة, ويواكب ذلك تعطيل الدستور أو بعض مواده بصورة مؤقتة أو دائمة.


أسباب استيلاء الجيوش على السلطة

تتحرك المؤسسة العسكرية للاستيلاء على السلطة بالبلاد على الأعم الأغلب لأحد الأسباب التالية:

  • لأخطار حقيقية تحيق بالدولة قرر الجيش التدخل لإنقاذها منها ولنبل هذه الحالة, فقد يكون تدخلا مؤقتاً ثم يعيد السلطة إلى الشعب بإشرافه على انتخابات نزيهة, مثل حالة سوار الذهب بالخرطوم.
  • وقد يكون لطمع قيادة الجيش بالحكم, وذلك عند ضعف الحياة المدنية, وخلو البلاد من الأحزاب القوية.
  • بإغراء من عضو مندس أو أكثر بإدارة الجيش العليا يملكون أجندات خفية لقوى عظمى, وهي بدورها قررت استخدام ذلك الجيش لإنفاذ خططها بالبلاد, وهذا النموذج هو الأوسع انتشاراً وتكرارا بالدول النامية.

وفي هذا الصنف من الحكم العسكري, يقوم الجيش بالوصاية والإشراف على الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والمجتمعية, بدعوى حاجة البلاد لذلك, ويقوم بإضفاء الطابع العسكري على كافة مناحي الحياة, ويقسم أجهزة الدولة من أسفل لأعلى على قياداته العليا والوسيطة, ويتم تفعيل أنظمة الكوتة والأنصبة بين قادة الجيش في المناصب الرسمية كحكام الولايات أو المحافظات, والوزراء وأجهزة الدولة المدنية.

وقد يتم ذلك من باب الكفاءة في بعض الحالات, ويتم في الأغلب على سبيل المكافئة لأهل الولاء المقربين, أو المتقاعدين من المؤسسة العسكرية.


من مميزات حكم مؤسسة الجيش:

  1. تعد هذه الطريقة هي الطريقة الأمثل عند مرور البلاد بالكوارث أو الهزائم الكبرى, لقدرة العسكريين على حشد واستنفار الطاقات بصورة جافة قد لا يقدر عليها المدنيون.
  2. من أهم ما يميز هذا الحكم الترابط بين أفراد الحكم وقيادة الجيش, وصعوبة التفريق بين القيادتين أو شرخ العلاقة بينهما.
  3. استعمال آليات إدارة الجيش وأجهزته الجاهزة في إدارة المشكلات والأزمات عندما تكون كافة الادارات المدنية مفككة أو ملغاة. وقد تجدي هذه الطريقة في حالة الدول المستهدفة بأخطار محدقة, أو الدول الخارجة من حروب طاحنة, كما حدث في الحالة الكورية الجنوبية من سنة 1945 إلى سنة 1988م, وغيرها.
  4. يتبنى هذا الصنف من الحكم مصادرة فرص المدنيين السياسية والاقتصادية لصالح مؤسسة الجيش, عندما يكون هناك ترهل في الحياة المدنية, والظرف يحتاج إلى علاج سريع, وأغلب مبررات العسكريين تندرج تحت:
    • ضرورة تحقيق أعلى معايير الانضباط لخطورة حالة البلاد, وأن ذلك لا يتوفر إلا في العسكريين آنذاك.
    • أن الدولة تحتاج إلى سرعة في إنجاز الأهداف لدقة المرحلة وحساسيتها, وأن هذا لا يتوفر إلا في أجهزة عسكرية.

حكم مؤسسة الجيش في كوريا الجنوبية من 1945 إلى 1988


ومن عيوب "حكم مؤسسة الجيش":


  1. إن مبررات العسكريين لمصادرة حق المدنيين في الإدارة تكون مبالغاً فيها في أغلب الأحيان, حيث تتكرس هذه المبررات لدى بعض العسكريين نتيجة لتعظيم الذات العسكرية خصوصاً عقب النجاح الباهر في الوصول للحكم, حيث يتبنون رأياً مفاده أنهم الأصلح والأكثر جاهزية, والأقدر على التخطيط والتنفيذ, والأقل فساداً, وغالباً ما يكون هذا الرأي غير دقيق.
  2. أثبتت الإحصاءات فشل هذا النموذج في كل الحالات تقريباً, بسبب أن العسكريين يتعاملون بفوقية مع بقية الشرائح , وفي بعض الحالات سنوا قوانين تمييزية وتحصينية خاصة لهم.
  3. يقوم العسكريون في الغالب بتهميش قوى المجتمع المدنية وإقصاء طاقاتهم في الإدارة والإنتاج, مما يؤدي إلى انعدام شعورهم بالانتماء والمشاركة في إدارة بلادهم.
  4. بسبب الولاء العسكري والعصبية للزيّ, فقد يتم مجاملة عسكريين غير أكفاء بتعيينهم في مناصب أعلى من إمكاناتهم.
  5. بسبب الولاء قد يتم التغطية على فساد زملاء قدامى في السلاح رغم انخراطهم بالحياة المدنية منذ عقد أو أكثر.
  6. في بعض الحالات قد يتحول الجيش كاملا إلى ما يشبه حزباً سياسياً يتعاطى السياسة والحكم, ولا يمكن محاسبته برلمانياً أو تداول السلطة معه سلمياً ودستورياً, فيؤدي ذلك إلى انهيار الدولة على المدى البعيد.
  7. من شبه المستحيل على الشعب مصدر السلطات تقويم/إصلاح حكم المؤسسة العسكرية عند اعوجاجه, فأغلب الشعوب معزولة السلاح تماماً, ولا فرصة لديها تقريباً أمام قوة الجيش الغاشمة بدون دفع فاتورة كبيرة ربما يتم فيها تدمير بنية البلاد التحتية واقتصادها في حرب أهلية مريرة, كما حدث في حالة الجنرال فرانكو في إسبانيا.




الجزء الثاني : 
إسقاطات بالتاريخ المعاصر


* صور من حكم "دكتاتور عسكري منفرد"

يعد حكم كلاً من العقيد معمر القذافي, واللواء طيار حافظ الأسد, حكماً من الصنف الأول من أصناف الحكم العسكري, وهو "حكم الدكتاتور العسكري المنفرد".
فقد اعتليا سدة الحكم إما بانقلاب عسكري مباشر, أو بامتلاك قوى كفيلة للانقلاب على سابقيهم, أو بالتوريث المباشر من سابقه بتعيينه نائباً, مع امتلاك قوى ناعمة كافية وتربيطات مع قوى عظمى كفلت نجاح وثبتهم على كرسي الحكم ببلادهم.
حسني مبارك وحافظ الأسد


وبصعودهم سدة الحكم, قاموا بتقليص الحريات المدنية, وقمعوا أي حراك مجتمعي , وألغوا البرلمانات المنتخبة, وقيدوا الصحافة , ولم تعد هناك حرية في تأسيس الأحزاب أو الهيئات, وقيدوا عمل للنقابات, وقاموا بقمع شديد للشيوعيين والاسلاميين والقوميين جميعا, وتصدر الحزب الحاكم الواحد المشهد, ولم تتح للشعوب خيارات غيره.

ويشاركهم اللواء طيار حسني مبارك في ذلك بصورة جزئية, فرغم أنه تقلد السلطة بتوريث من السادات, الذي عينه نائبا له وكلفه بمتابعة المخابرات وعدة مهام كبرى سهلت له انتقال السلطة بسلاسة بدعم من المؤسسة العسكرية والاجهزة.
القذافي والأسد ومبارك


إلا أن مبارك شاركهم في قمع الأحزاب والنقابات واتحادات الطلاب, وقيد الصحافة وسيطر على السلطة القضائية والإعلام وغيرها من الحريات, مع إبقاء مشهد كرتوني غير حقيقي لحياة ديمقراطية افتراضية بها بعض الأحزاب الهزيلة, وصحيفة أو أكثر سمح لها بهامش حرية محدد ذراً للرماد بالعيون.

ويتشارك الثلاثة جميعا في تطلعهم لتوريث ابنائهم حيث وقعوا في هذا الفخ بضوء أخضر من قوى خارجية, مما أضعفهم وقوض شرعيتهم, وطعن في نزاهتهم, وسهل على الربيع العربي دوره في اقصائهم من الحكم.

* صور من حكم "لجنة عسكرية"

تعد حركة 23 يوليو 1952م عند الخبراء انقلابا عسكريا للجنة/ تنظيم سري بالجيش, حيث خطط تنظيم الضباط الأحرار المكون من قيادات صغيرة ووسيطة شابة لذلك الانقلاب, ثم حكم البلاد بواسطة لجنة من قياداته اسميت " مجلس قيادة الثورة" وأخذت صلاحيات مجلس رئاسي ترأس البلاد. وقد واكب ذلك فرضهم لما يلي بالقوة:
 
  1. إجلاء الملك السابق إلى خارج البلاد.
  2. تعطيل العمل بالدستور.
  3. حل البرلمان المنتخب.
  4. حل كافة الأحزاب وتخوينها.
  5. تقييد حرية الصحف.
  6. قمع المعارضة بكافة أطيافها والزج بقادتها بالمعتقلات.
  7. تفعيل المحاكم الثورية الاستثنائية والعسكرية.
وحقيقة فإن هذه السبع إجراءات هي قاسم مشترك لدى جميع أطياف الحكم العسكري. 
مجلس قيادة الثورة 1952م


وفي الطور الأول تم توزيع الوزارات والهيئات على مجلس الثورة, 
وفي الطور الثاني جيّش قائد التنظيم جمال عبد الناصر بقية زملائه ضد محمد نجيب رئيس المجلس المجلوب لانجاح الثورة, قبل أن يتخلص منهم جميعا تقريباً بوسائل مختلفة, آخرها عبد الحكيم عامر قائد الجيش المتمرد حيث وظّف الهزيمة المذلة في 1967م لإخراجه من المشهد.
ولم يبق إلا السادات وحسين الشافعي, حيث صنفهما غير خطرين عليه.
وتاريخيا فإن ما فعله عبد الناصر هو سلوك متكرر لحكم أغلب اللجان العسكرية في طوريها الأول والثاني.
الجنرال خورخي رافائيل فيديلا، والجنرال روبرتو إدواردو فيولا


ويشبه ذلك في أطواره ومآلاته حكم لجنة من الجنرالات بالأرجنتين بقيادة الديكتاتوريين العسكريين الجنرال خورخي رافائيل فيديلا، والجنرال روبرتو إدواردو فيولا, والتي استمرت من سنة 1976م حتى حرب فوكلاند 1982م, حيث تسببوا في أن ضربت البلاد حالة من الفشل الاقتصادي والركود والغضب الشعبي, وأراد العسكريون إلهاء الشعب عن المشاكل المزمنة التي سببها حكمهم الإقصائي, فاندفعوا في حرب غير مدروسة لاسترداد جزر الفوكلاند, حيث مُنُوا فيها بهزيمة عسكرية مذلة من بريطانيا, وأعقبها استسلام الأرجنتين, وهو ما أدى إلى ثورة الشعب عليهم, حيث لم يغفر الشعب للعسكريين هزيمتهم العسكرية.

يتبع ..

الأحد، 30 أكتوبر 2022

السياسة الخارجية المصرية تجاه ليبيا بعد القذافي

 

السياسة الخارجية المصرية تجاه "ليبيا بعد القذافي"


بقلم: د أيمن إبراهيم

 

أهداف السياسة الخارجية المصرية نحو ليبيا اليوم:

1.     الهدف الأمني:

  •   تخاف القاهرة من نجاح حكومة الوفاق في طرابلس لانتماء بعض مكوناتها الى جماعات دينية مثل الاخوان المسلمين وبعض التيارات السلفية.
  •  لا تريد القاهرة نجاح الربيع العربي في ليبيا وهو نفس موقفها منه في سوريا واليمن, وهو موقف يعد امتدادا للثورة المضادة بمصر.
  •  تدعم القاهرة حفتر لان القاهرة تريد نفوذا لها في معادلة القوى السياسية الليبية على الارض. وتدعم القاهرة قوات حفتر لأنها تحتاج الى قوات مالية لها على الجانب الاخر من الحدود في برقة كعازل أمني مع التيارات الإسلامية والقوى الديمقراطية بليبيا.


 

2.     الهدف التنموي:

الحفاظ على المصالح الخارجية للدولة والجانب التنموي, فليبيا سوق كبير للعمالة المصرية, و منطقة مشروعات مستقبلية واعدة لشركات المقاولات المصرية.

 

3.     الهدف السياسي والرمزي:

كون ليبيا من دور الجوار تحتم على مصر كدولة إقليمية كبيرة ان يكون لها دور في المعادلة الليبية للحفاظ على مكانتها الإقليمية والدولية، وتدعم القاهرة حفتر لان القاهرة تريد نفوذا لها في معادلة القوى السياسية الليبية على الارض.

 

أدوات السياسة الخارجية المصرية نحو ليبيا:

·  الأدوات الدبلوماسية:

عقدت القاهرة بصفتها رئيسة الدورة الحالية للاتحاد الافريقي مؤتمرا بالقاهرة يوم 24 ابريل 2019م مع زعماء الاتحاد الافريقي بخصوص ليبيا والسودان ويكاد يكون هذا المؤتمر هو الأداة الدبلوماسية الوحيدة المعلنة التي قامت بها القاهرة في هذه الفترة.

السيسي رئيسا للاتحاد الافريقي 2019م


·  الأدوات العسكرية والاستخباراتية:

يقوم الجيش المصري بتقديم المساعدات العسكرية لقوات حفتر من العتاد الحربي والذخيرة، و يقوم الطيران الحربي المصري بشن الغارات عند الضرورة لدعم قوات حفتر على الأرض ضد خصومه.

وتنشط عمليات المخابرات الحربية المصرية في ليبيا, مخترقة الجماعات الدينية وقوات الوفاق و حلفائها, مساعدة قوات حفتر بالمعلومات اللازمة في صراعهم ضد الوفاق.

 

السيسي يستقبل عقيلة وحفتر بالقاهرة

محددات السياسة المصرية نحو ليبيا

 

·        المحددات الموضوعية الداخلية والبنيوية:


1.     تمتلك مصر جيش قوي يملك من الأسلحة و القوات البشرية ما يمكنها من لعب دور كبير ان شاءت في ليبيا.

2.     مجاورة ليبيا لمصر يعطيها الأولوية في التأثير و حقوق التدخل للحفاظ على امنها القومي.

3.     تتأثر السياسة المصرية الخارجية بمنطلقات المؤسسة العسكرية المصرية في الفترة ما بعد سقوط الرئيس مرسي، حيث اولت القاهرة اهتمامها بالقضايا العسكرية والأمنية ضمن التحالف الاماراتي السعودي أكثر على حساب القضايا القومية العربية التي رعتها مصر طوال القرن الماضي.

4.     واعطت القاهرة ذات الخلفية العسكرية الأولوية لدعم الجيوش العربية في الحكم و هو ما يفسر دعم القاهرة لحفتر باعتباره قائد عسكري, كما اثر رفض القاهرة الأيدولوجي للجماعات الإسلامية في رفض مساعدة حكومة الوفاق التي تتحالف مع التيار الإسلامي الإخواني و السلفي.

 

·        المحددات الخارجية الموضوعية:


  1. النسق الدولي : تنتمي مصر و ليبيا الى جامعة الدول العربية و الاتحاد الافريقي مما يجعلهما دولتان متقاطعتان في عدة دوار بالإضافة الجوار الجغرافي و التداخل السكاني القبلي.
  2. المسافة الدولية : لا تسمح الدول الكبرى بدور مصري كبير في ليبيا, وظهر ذلك من الرفض الإعلامي و الدبلوماسي الشديد بعد ان شنت مصر غارات جوية على معسكرات لجماعات قالت القاهرة انها إرهابية.
  3. التفاعلات الدولية : تصر السعودية الامارات لعب دور قيادي في ليبيا , كما لا توافق الجزائر الجار الكبير الاخر لليبيا بدور مصري كبير بها.
  4. الموقف الدولي : تمر ليبيا بأزمة داخلية تمتد في بعض الفترات الى مرحلة الصراع بين القوى على الأرض, و تكتفي مصر بالتعاون مع قوات حفتر عسكريا , و مع الوفاق دبلوماسيا.

·        الخصائص النفسية للقيادة:

حتى الان ينتظر المراقبون دورا أكبر لمصر في ليبيا يعكس أهمية ليبيا لمصر في المجال الأمني و التنموي كمجال حيوي لمصر, ويبرز سمات الخلفية العسكرية للقيادة السياسية بالقاهرة.

و هو ما يعكس عدم إدارة القاهرة لمواردها كما ينبغي حتى الان, و تردد مصر في اتخاذ مواقف و مبادرات تنموية واقتصادية تناسب ما تملكه من أدوات سياسية و عسكرية ورمزية.

 

نتائج وقرارات هذه السياسة:


  1. قررت القاهرة عدم اللعب المباشر على المسرح الليبي والانخراط في التحالف السعودي الاماراتي. 
  2. قررت مصر الانحياز لخليفة حفتر القائد العسكري السابق على حساب حكومة الوفاق الشرعية بطرابلس رغم اعتراف المحافل الدولية بها. 
  3. قررت القاهرة جعل الاولوية للهدف الأمني العسكري على الهدفين القومي والتنموي.

 

الجنرال السابق خليفة حفتر

تقييم السياسة الخارجية المصرية نحو ليبيا:


  1. حتى الان ينتظر المراقبون دورا أكبر لمصر في ليبيا يعكس أهمية ليبيا عند مصر ليس في المجال الأمني فقط, وإنما في المجال التنموي فليبيا تقع في المجال الحيوي لمصر, وضمن مساحة العيش لمصر الإقليمية الكبيرة, وضمن التقييم تبرز سمات الخلفية العسكرية للقيادة السياسية الحالية بالقاهرة, فقراءة حال السياسة المصرية نحو ليبيا يعكس عدم إدارة القاهرة لفرصها ومواردها كما ينبغي حتى الان, ويمكن وصف السياسة المصرية بالتردد في اتخاذ مواقف ومبادرات تناسب ما تملكه من أدوات سياسية و عسكرية ورمزية. 
  2. ضعفت الأدوات الدبلوماسية المصرية في هذه الفترة نتيجة نظرة الشك التي تنظر بها مكونات القوى بطرابلس إلى البعثة المصرية, لعدم حيادية مصر كأخت كبرى وانحيازها لجانب حفتر، وهو ما قضى على دور مصر كوسيط سياسي رئيسي في اللعبة, حيث كانت ستتمتع بمكانة أفضل وفرص اقتصادية أعلى. 
  3. انكماش الدور المصري كان لصالح الاتحاد الأوروبي خصوصا فرنسا التي تركتها مصر تلعب في مجالها الحيوي بأجندة غير شفافة, وكذلك كان لصالح الامارات التي لا تملك اجندة محددة سوى ضرب الربيع العربي.

الأربعاء، 26 أكتوبر 2022

قراءة في كتاب " تجارب التحول الى الديمقراطية" ج1

 قراءة في كتاب " تجارب التحول الى الديمقراطية" ج1

 

بقلم: د أيمن إبراهيم

 

تستند مقالة كتاب "تجارب التحول الى الديمقراطية" الى المقابلات التي أجراها المؤلفان سرجيو بيطار وإبراهام لوينثال مع 13 رئيسًا ورئيس وزراء سابقين , من تسعة بلدان.



ثلاثة مِن كل مِن أوروبا وأربعة من أمريكا اللاتينية واربعة من إفريقيا, واثنان من آسيا, والقاسم المشترك بينهم أنهم ساهموا في تحقيق الانتقال الناجح من حكم استبدادي إلى حكم ديمقراطي. 

وقد قابل المؤلفان بين شهري يناير 2012 ويونية 2013 كلاً من: 

  • فرناندو إنريكي كاردوزو من البرازيل، 
  • وباتريسيو آيلوين وريكاردو لاغوس من تشيلي، 
  • وجون كوفور وجيري رولينغز من غانا، 
  • وبشار الدين يوسف حبيبي من إندونيسيا، 
  • وإرنستو زيديلو من المكسيك، 
  • وفيدل راموس من الفلبين، 
  • وألكسندر كفاسنيفسكي وتادوش مازوفسكي من بولندا، 
  • وفريدريك دوكليرك وتابو مبيكي من جنوب إفريقيا، 
  • وفيليبي غونزالس من إسبانيا. 

وجمع المؤلفان المقابلات، لأول مرة في كتاب واحد، ليقدما عروضًا مكثفة لوجهات نظر القادة بشأن دورهم في تلك التحولات التاريخية. 

و القاسم بينهم انهم أسهموا في انهاء أنظمة الحكم الاستبدادية ببلادهم وبنوا مكانها ديمقراطيات بالربع الأخير من القرن العشرين بعد ان أوصلوا بلدانهم الى نعمة الديمقراطية.



الخطوط المشتركة للتحولات التسعة الناجحة:


  1. التحول بصورة عمليات واسعة متلاحقة تدريجية على مدى زمني طويل, بدلا من حدوثها دفعة واحدة, و ابرز لحظات التعيير المثيرة للاهتمام تجسدت في لحظة تنصيب نيلسون مانديلا رئيسا لجنوب افريقيا, و تدفق سلطة الشعب في شوارع الفليبين, والانتصار الحاسم لحملة التصويت ب لا في استفتاء شيلي 1988م, و الهزيمة المفاجئة للشيوعيين البولنديين في الانتخابات الحرة جزئيا 1989م, فالتحول يبدأ قبل هذه اللحظات بسنوات و يستمر بعدها بسنوات تحتاج الى عزيمة و إصرار.
  2. كان لهذه التحولات أصولا تعود في نشأتها الى فترات أو حقب طويلة و كانت الخطوات الأولى تتسم بالهدوء و تتحرك  بالخفاء سواء كان منبعها المعارضة أو تحرك المجتمع الاستبدادي أو المجتمع المدني.
  3.  الخطوات السابقة للحظة التحول عملت على المساعدة على تعميق العلاقات الشخصية و تعزيز الثقة بين قطاعات المعارضة المتباينة, او بين شخصيات من المجتمع الاستبدادي و قادة المعارضة.
  4. تسير التحولات بسرعة متفاوتة و منحى متعرج او منعطف و غير متوقع مما يكون له اثار كبيرة على مسارها, مثل موت الرئيس البرازيلي المنتخب تانكريدو نيفيس و اختيار نائبه خوسيه سارني المدني القادم من النظام العسكري مما ابطأ العملية الانتقالية من جهة و تسهيلها من جهة أخرى, ومثلما دفع اغتيال بينوشيه في شيلي سنة 1986 المعارضة الديمقراطية الى الانفصال عن المسلحة, و ساعد اغتيال لويس كاريرو بلانكو في اسبانيا وكريس هاني في جنوب افريقيا و بنينو اكينو في الفلبين على الإسراع في اطلاق خيارات سياسية مهمة, و سقوط جدار برلين 1989 أدى الى التغيرات الألمانية و كذلك تفكك الاتحاد السوفيتي أدى الى تحولات بولندا و غيرها, و كذلك الازمة المالية الاسيوية في 1997 اسقطت سوهارتو باندونيسيا و كلها مفاجآت.
  5. في مناسبات نادرة انهارت أنظمة استبدادية بصورة مفاجئة في مواجهة أزمات اقتصادية او هزيمة عسكرية كما باليونان والبرتغال و الارجنتين اغتيالات سياسية مثل اغتيال اكينو المعارض لماركوس بالفليبين وما تلاه من انتخابات مزورة بشكل صارخ, ومع ذلك فان  مسارات طويلة وشاقة من التعبئة الاجتماعية ضد النظام اعقبتها عمليات تفاوض سرية او علنية للتحول الديمقراطي, وبشكل عام فان الديمقراطيات لم تنشأ او تنبثق مباشرة من حشود الجماهير فقط.
  6. استهلكت اغلب التحولات الكثير من الوقت للوصول الى النضج واكتساب الطابع المؤسسي. وفي البرازيل و شيلي و الفلبين وبولندا و ج افريقيا واسبانيا تطلب الامر المرور بمراحل متعددة وربما بعض الانتكاسات.
  7. في ج افريقيا وغانا و البرازيل فان الأنظمة الاستبدادية او قطاعات بها مدت يدها الى المعارضة المعتدلة لتعزيز الشرعية الدولية و الاستجابة للضغوط الخارجية أو لغاية بناء علاقات مع المعارضة المستعدة للتفاوض لفتح ثغرة في جدار تلك الأنظمة المستبدة. وفي بعض الحالات ظلت عمليات الحوار و التفاوض مختمرة لفترات طويلة بين النخب المرتبطة بالصراعات و تخللها مظاهرات بصورة دورية لعرض القوة من الجانبين, وهذا الحوار انضج و انجز قواعد الارتباط في ناهية المطاف.
  8. اختلفت التحولات في أسباب نشأتها و تسلسل احداثها و مساراتها, فقد اشتملت الظروف على:
  1. شخصيات دكتاتورية بدعم عسكري في اسبانيا و اندونيسيا و الفلبين
  2. حكم شبه عسكري من موظفين حكوميين كاريزماتيين في غانا
  3. نظام الحكم بحزب واحد مهيمن في المكسيك وبولندا (دعم من روسيا)
  4. الحكم الاستثنائي من قبل الأقلية البيضاء في ج افريقيا.
  5. الحروب الاهلية
  6. اعقاب الاحتلال الأجنبي
  7. الأنظمة الملكية الوراثية
  8. ويضاف الى ذلك مطالبة مناطق او جماعات عرقية بالحصول على المزيد من الاستقلالية و الموارد.
  9. تشكلت التحولات أيضا بمدى النجاح الاقتصادي للحكومات الاستبدادية مدى تحققها للرفاهية و حماية الامن القومي مثل البرازيل و شيلي و اسبانيا, و لم ينجح البعض الاخر.
  10. اثر الانضباط المهني و مستوى الدعم الشعبي للقوات المسلحة و الشرطة و الاستخبارات والهيئات القضائية والمؤسسات.
  11. واثرت حالة الأحزاب في التحولات, حيث دعم انتعاش الأحزاب الانتقال والتحول في البرازيل وشيلي, و اثر كذلك الحنين لقيم الماضي السائدة و النفور من العنف في التحول ايضا. وكلما كان الدعم المنظم أوسع لحركات المعارضة وقياداتها كان من الأرجح ضمان الحصول على تنازلات قيمة في المفاوضات.
  12. شرعت بعض التحولات نتيجة لتقارب بين قطاعات من النظام الاستبدادي وعناصر من المعارضة, مثل البرازيل و اسبانيا و المكسيك وبولندا و غانا. وفي حالات نتيجة للضغوط والحشود مثل بولندا و اندونيسيا و شيلي و الفلبين و ج افريقيا, وانبثق بعض التحولات جراء مفاوضات سرية او علنية, مثل اسبانيا و البرازيل و ج افريقيا و شيلي واندونيسيا و المكسيك و بولندا. وعدد قليل نشأ عن اتفاقات رسمية بين النخب مثل مواثيق مونكلوا الاسبانية التي أدت الى الاتفاقات السياسية, حيث دارت في مقر رئيس الوزراء سنة 1977 بحضور زعماء الأحزاب مع الحكومة.
  13. تأثرت التحولات بالسياق الدولي وجهات خارجية فاعلة, وكان للنزاعات الإقليمية والايدلوجيات السائدة و الروابط الدولية للديمقراطيات الراسخة صلة وثيقة بالتحولات. فقد اثرت نصاح رئيس تنزانيا نريري في انشاء الدستور الجنوب افريقي و نصائح جونزالس الاسباني حول كيفية التعامل مع القوات المسلحة في شيلي


والخلاصة انه لا يوجد مقاس واحد يناسب الجميع

 

التحديات المتكررة لعمليات الانتقال:

1. التحضير لعملية الانتقال:

تحتاج القوى المحلية الى الدعم الواسع و الشرعية و القدرة على المنافسة وان تقدم البديل.

 

2. انهاء النظام الاستبدادي

لا تتخلى الحكومات الاستبدادية عن السلطة طواعية.

يتطلب التأكيد على عدم الانتقام

ويتطلب التأكيد على رعاية المصالح الاقتصادية.

 

3. نقل السلطة وادارتها:

تعزيز النظام المدني وانهاء العنف, و ضمان عمل جميع قوى الامن و الاستخبارات ضمن اطار القانون

الإيحاء بالثقة المحلية واكتساب الشرعية الدولية

ضمان تنفيذ إرادة الأغلبية و طمأنة الأقليات السياسية و منهم المرتبطين بالنظام السابق

استقطاب المسئولين السابقين ممن تتوفر لديهم المهارات والإبقاء على بعض افراد النظام السابق كما اكد جونزالس  ومازوفيتسكي ومبيكي.

العدالة الانتقالية

تركيز اهتمام الأجهزة البيروقراطية و الدوائر الحكومية و الشرطة على خدمة المواطنين بدلا  من اليطرة على الرعايا

اقناع المواطنين بشرعية الدولة بعد طول رفض

 

4. تحقيق الاستقرار و ترسيخ الديمقراطية الناشئة

قد يلوم الجمهور الزعماء السياسيين او الديمقراطية بعد بضع سنين لعدم تلبية التوقعات الاقتصادية و السياسية

قد تتراجع قوى المجتمع المدني عن أداء دورها

  


التعلم من القادة السياسيين:

 حيث اضطر كثير منهم الى اتخاذ تنازلات انتقدها البعض على اعتبار انها خجولة او جبانة مترددة, و توضح شهادات القادة كيف و لماذا اتخذوا تلك القرارات لضمان التحول و العلاقات المدنية العسكرية و غيرها

 

·        المضي قدما تدريجيا:

استثمار الفرص للتقدم بدلا من رفض التقدم على امل توفر قدرة في وقت لاحق توفر اكبر تغيير ممكن.

العزم على تحسين الأوضاع الغير مرغوبة بدلا من تخيل طريقة للبدء من الصفر او ببساطة تنحية الرغبة عن القيود الصارمة التي تبطئ التقدم نحو الأهداف النهائية

هو ما فعله لاجوس في شيلي حيث استخدم الدستور القائم لمحاربة بينوشيه سنة 1988 للخروج من هوة البئر و اكتساب  قوة و نفوذ قبل صياغة مطالب إضافية.

اكد كل الزعماء على ضرورة إعطاء الأولوية دوما لكسب شيئ ما على ارض الواقع حيثما كان الامر ممكنا حتى عندما لا يتم تحقيق بعض الأولويات الحيوية الا جزئيا.

ان رفض المواقف المتطرفة تتطلب أحيانا مزيدا من الشجاعة السياسية بدلا من التمسك بتلك الأهداف او الخضوع لمبادئ جذابة و لكنها قد لا تكون عملية

ولمقاومة القمع فينبغي على زعماء المعارضة حشد الاحتجاجات و تحدي االنظام و القواعد المعمول بها و التنديد بسجن المنشقين ومكافحة الشرعية الوطنية و الدولية للنظام

 

اكد الزعماء على الجمع بين الممارسة الضغط المستمر مع رغبة حقيقية للعمل على إيجاد وقبول الحلول الوسطية, ان صنع التحولات لا تصلح كمهمات للتحجر الفكري و الديموجمائية.

 

·        ضرورة وجود رؤية شاملة

·        بناء التقارب و التحالفات

والتركيز على ما يوحد الناس سويا بدلا من التركيز على ما يقسمهم في الماضي

حبيبي فوض الجنرال ويرانتو بالإبقاء على سلطات الطوارئ

وراموس اتبع نهجا استشاريا و تداوليا للغاية في صياغة السياسات

كاردوزو ذهب مع زوجته لتشجيع ضباط الجيش البرازيلي من اجل تعزيز العلاقات الشخصية

ايلوين زار أعضاء لجنة الحقيقة والمصالحة الشيلية في منازلهم و جندهم

مازوفيتسكي تراس جلسات طويلة لبناء توافق في الاراء بوزارته وجعلها حكومة شاملة و موسعة

 

·        ايجاد اطر للحوار و حمايتها:

وهي مهمة جدا و قد تتطلب السرية, و تكون مع النظام القائم و المجتمع المدني و القطاعات الاقتصادية و الجمعيات المهنية و الجماعات الدينية, وكل من بدا جاهزا للوقوف على الحياد ولو كان في السابق مع المستبد, وبالجملة الاستثمار في المستقبل بدلا من تسوية الخلافات بشأن الماضي

 

·        وضع الدستور:

يمثل مهمة صعبة رغم انه خطوة مهمة.

دور الجيش

الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية

تفاصيل النظام الانتخابي

تقنين الجماعات السياسية المحظورة سابقا

وطرق عمل دستور:

1.     انتخاب جمعية دستورية

2.     او انشاء لجنة خاصة او تفويض المهمة للبرلمان ثم الاستفتاء العام

تطبيق النصوص اهم من وضعها و عدم الالتزام بها

 

·        الاقتصاد السياسي في التحولات:

عملت الازمة الاسيوية 1997 على التعجيل بسقوط سوهارتو و التحول الاندونيسي الى اليموقراطية

 

والركود الاقتصادي و العجز المالي ساعدا في اقناع النخب حول أهمية التحول و ذلك في البرازيل و ج افريقيا و بولندا

القضايا الاقتصادية تصبح أولوية لدى تولي حكومة جديدة للحكم

 

·        أهمية الأحزاب السياسية:

لعبت الأحزاب دوراً رئيسياً في التحولات, فقد أسست الشبكات الإقليمية والمناطقية والعلاقات الاجتماعية و منظمات المجتمع المدني

حرصت الأنظمة المستبدة على إضعاف الأحزاب او تدميرها ما عدا البرازيل و اندونيسيا

وكان الهدف هو شرعنة الحزب الواحد المهيمن مثل بولندا و المكسيك

على الزعماء الجدد دعم الأحزاب ضد الشظي و الضعف كي تصبح منافسة قوية للحزب الثوري المؤسس او القوي

 

·        تحقيق السيطرة على الجيش و الشرطة و المخابرات:

وهو التحدي الرئيس في معظم الحالات.

الاعتراف بالأدوار المشروعة لها

الخضوع للسلطة المدنية

تحقيق مطالبها المناسبة على مستوى معين من الموارد

حاجتها للحماية من انتقام قوات المعارضة

إحالة كبار الضباط المسئولين الى التقاعد

وضع كبار القادة العسكريين تحت السلطة المباشرة لوزراء مدنيين لشئون الدفاع والإصرار على منع الضباط من التعليق على الحياة السياسية

تقدير و تعزيز الكفاءة المهنية واحترام الذات لافراد القوات المسلحة

احترام الاقران العسكريين

ضرورة فصل الشرطة و المخابرات عن القوات المسلحة

إعادة تعريف دور الشرطة

 

·        تحقيق العدالة الانتقالية

 

  • حشد الدعم الخارجي
  • تغير سياق التحولات:
  • تحول الجغرافيا السياسية و الأعراف الدولية
  • تركات وموروثات التجارب الديمقراطية السابقة

 

·        الفوارق الاجتماعية و الطبقة الديموغرافية

حيث تمت التحولات في الدول التي احتوت على طبقة متوسطة تميل الى كسب حقوق سياسية و حرية تعبير

 

·        الجهود الدولية لتعزيز الديمقراطية

حيث يشكل الانضمام الى الاتحاد الأوروبي مثلا حافزا لدول مثل اسبانيا و بولندا

الاتحاد الافريقي و ميثاقه حول الديمقراطية و الانتخابات و الحكم

 

·        الاختلافات الإقليمية والثقافية

ترتبط القوات المسلحة بالشرق الأوسط بالحكومات المدنية بدلا من الدينية ثم أصبحت تلاقي تحديا من العلمانيين و الدينيين معا

المؤسسات الدينية كانت غالبا قلاعا للمستبد الا انه كان لها دورا خلاقا في اسبانيا و البرازيل و شيلي و الفلبين و بولندا

 

·        ثورة المعلومات و الاتصالات

اضعفت قدرات الحكومات على السيطرة على الاعلام و الراي العام

 

 

·        صفات القيادة السياسية:

ليس هناك نموذج محدد

بعضهم كان قائدا لمعارضة

وبعضهم أصحاب مناصب في الحكومات الاستبدادية

بعضهم سياسيون ذوي خيارت عريقة

شخصيات عسكرية رفيعة

او ضابط وسيط

او محرر مجلة او عالم اجتماع اكاديمي او مهندس طيران

 

كان لهم معتقدات و ممارسات دينية مختلفة تتراوح بين الورع و عدم الايمان

 

·        النظر للمستقبل:

القيادة لا يتم تعلمها في دورات دراسية وانما بالممارسة الفعلية وتطبيق المبادئ العامة على الظروف الفعلية

الناس غالبا ما يتعلمون المبادئ العامة من الحكايات و الروايات و الخبرات الخالدة في الذكريات.

 

تم بحمد الله

نبذة عن معجم قبائل قطر لأيمن زغروت

  نبذة عن معجم قبائل قطر لأيمن زغروت معجم قبائل قطر - ط1 - دار أسامة للنشر - عمان الأردن إهــــداء     أهدي هذا العمل المضني إلى قطر الشقي...